مرحباً بكم في صفحة وزارة الخارجية الألمانية
الروائي الألماني المشاكس مارتين فالزر
في الرابع والعشرين من مارس/ آذار 1927 ولد الروائي الألماني الشهير مارتن فالزر، واحد من أهم الروائيين الألمان المعاصرين وأكثرهم إثارة للجدل.
كانت بدايات مارتن فالزر الأدبية محاولات متواضعة في كتابة الشعر، لكنه سرعان ما أدرك أنه ليس بالشاعرالحقيقي، فاتجه نحو السرد، نحو كتابة القصة. بعد دراسته الجامعية في الأدب والفلسفة والتأريخ حصل الكاتب الشاب آنذاك سنة 1952 على درجة الدكتوراه، وكانت رسالته في موضوع "الشكل القصصي عند فرانتس كافكا". في تلك المرحلة كانت محاولاته في القصة متأثرة بشكل كبير بأسلوب كافكا، فانهال عليه النقد اللاذع من زملائه أعضاء "جماعة 47" الأدبية.
وكانت هذه المجموعة من أهم التيارات الأدبية في ألمانيا، وكان هو نفسه أحد أعضائها. سخرية الأدباء جعلته يبحث عن أسلوب جديد يتميز به عن الآخرين. هنا وجد فالزر أسلوبه الخاص في السرد الأدبي وبدأ في تصوير الحياة اليومية عند الناس العاديين في ألمانيا، وخاصة حياة البورجوازيين الصغار الذين لم يستطيعوا التحرر من قيود المجتمع وعاداته. لذلك أطلق عليه النقاد فيما بعد لقب "موثق الحياة اليومية". وعلى نحو مماثل وصف الرئيس الألماني السابق هورست كولر أعمال مارتن فالزر بأنها "تاريخ للتطور النفسي لجمهورية ألمانيا".
بطل في إثارة الجدل
يعتبر مارتن فالزر مع زميله وابن جيله جونتر جراس أهم أديبين معاصرين في ألمانيا. لكنه يبقى أكثر الروائيين الألمان إثارة للجدل، وقد كلـّفه ذلك الكثير، فقد أصيب مراراً بخيبات أمل من جراء حملات النقاد عليه، وكانت في معظمها لا تنتقص من قيمته الأدبية بقدر ما كانت تسخر من أرائه ومواقفه السياسية. أشهر تلك "المعارك الأدبية" بينه وبين النقاد كانت عام 1998. يومها فاز فالزر بجائزة السلام التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان. وفي الخطاب الذي ألقاه بهذه المناسبة، تناول التاريخ الألماني في النصف الثاني من القرن العشرين وناقش الماضي القريب، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وخاصة قضية "العبء" الذي ورثته الأجيال الألمانية جراء الجرائم النازية، والذي يثقل كاهلها على مرّ الزمن. أثار هذا الرأي كثيراً من الجدل، وانصبّ كثير من هذا الكثير على الروائي الشهير.
رأى فالزر أن البعض أساء تفسير ما قاله في خطابه، وكأنه طالب بغض النظر عن هذه الجرائم. وشرح موقفه بإيجاز قائلاً إنه حذر من التناول المستمر لموضوع الهولوكوست واستخدامه كـ"هرواة أخلاقية" مما قد يأتي يوماً بنتائج عكسية، وخاصة لدى الأجيال القادمة التي ليس لها أي ذنب في ما حصل في الماضي الأسود. أما آراء المعارضين فتلخصت في أن فالزر يستخدم الحجج نفسها التي يتبجح بها أنصار اليمين الألماني المتطرف، وأن الذريعة التي طرحها بمثابة دعوة لغض الطرف عن ويلات المحرقة، في حين أن التوجه العام في المجتمع الألماني يدعو إلى عدم نسيان أخطاء الماضي بقصد عدم تكرارها.
أرقام قياسية في الجوائز الأدبية
لم يترك مارتن فالزر جائزة ألمانية رفيعة المستوى إلاّ وحصل عليها. قدم خلال ستة عقود إبداعاته الأدبية في القصة والرواية كما في المسرحية والتمثيليات الإذاعية والمقالات. ومن أهم رواياته "علاقات زواج في فيلبس بورج" التي صدرت عندما كان في الثلاثين من عمره، ورواية "جواد هارب" التي اعتبرها معظم النقاد وقت صدورها (عام 1978) "لؤلؤة النثر الألماني". من هذه الرواية بيع أكثر من أربعة ملايين نسخة، وتحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي مرتين.
وبروايته "دفاع عن الطفولة" التي صدرت في عام الوحدة الألمانية (1991) كان فالزر أول كاتب ألماني تناول موضوع وحدة الجمهورية روائياً. وقبل انتهاء القرن العشرين احتفى عديد من نقاد الأدب بروايته "النبع الفوار" الصادرة عام (1998). في هذه الرواية استعاد سنين صباه التي قضاها في مسقط رأسه "فاسّربورج" أيام النازية. في عام 2005 صدرت يومياته في الفترة بين 1951 - 1962 في كتاب سماه فالزر "الكتاب والكتابة"، وهو عن مهنته ككاتب وسر الإبداع الأدبي عنده.
وخلافاً لما هو سائد في عالم الأدب، إذ تنهال الجوائز الأدبية على الكتّاب مع تقدمهم في العمر، حظي فالزر بالتكريم وهو في سن الشباب. وما إن وصل مشارف الخمسين حتى كان قد نال أهم الجوائز الأدبية في ألمانيا، بدءا من جائزة هرمان هسّه مروراً بجائزة شيلر ووصولاً إلى جائزة بوشنر. لكنه لم يحظَ بعد بجائزة نوبل للآداب والسبب ـ في رأي أنصاره ـ يعود إلى نهجه القاسي في خطابه السياسي.
ورداً على سؤال طرح عليه حول نهج السيرة الذاتية في السرد الروائي، قال فالزر: "الرواية التي تخلو من مشاهد من السيرة الذاتية ليست رواية، وإنما هي بحث اجتماعي".
وعرف قراء العربية بعض أعمال مارتين فالزر من خلال ترجمتها إلى العربية، إذ صدرت ترجمة عربية لرويته "جواد هارب" عام 2004 عن دار الجمل، وصدرت بعنوان "جواد نافر" بترجمة على أحمد محمود. كما ترجم له سمير جريس رواية "رجل عاشق" وصدرت في سلسلة شرق غرب عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم عام 2008.
مصدر النص: dw.de- الإعداد والتحرير: المركز الألماني للإعلام