مرحباً بكم في صفحة وزارة الخارجية الألمانية

"فرصة لم تسنح على هذا النحو من قبل "

مقال

حوار مع وزير الخارجية الألمانية فرانك-فالتر شتاينماير أجرته جريدة راين-نيكار-تسايتونج في 10 مارس/ آذار 2016 بخصوص سوريا واللقاء الأوروبي التركي.

جولة جديدة من مباحثات السلام بشأن سوريا في الأيام القادمة. سيادة الوزير، هل الغلبة للتفاؤل أم التشاؤم لديكم؟

بعد خمس سنوات من الحرب، بعد مئات الآلاف من القتلى وملايين من اللاجئين لا يمكن أن تكون متفائلاً بأي حال من الأحوال. ومع ذلك ينفتح ربما مع الهدنة التي تسود منذ عشرة أيام في مناطق كبيرة من سوريا فرصة لم تسنح على هذا النحو من قبل لكي يتحقق الآن أيضا أوجه للتقدم نحو حل سياسي بشأن سوريا ووضع نهاية للحرب الأهلية الدامية. والآن لا بد أن يكون قد اتضح لجميع الأطراف أن هذه الأزمة لا سبيل لحسمها عسكريا، لأي طرف من الأطراف.

ما هي الخطوات الجوهرية القادمة التي يجب اتخاذها؟

لن تدوم الهدنة ما لم ندفع أيضا بعجلة الحل السياسي للأزمة إلى الأمام. والطريق المؤدي إلى هناك طموح: بناء حكومة انتقالية، إصلاح دستوري وانتخابات جديدة، كل هذا في خلال 18 شهرا. ومن الواضح أنه بعد كل هذه السنوات من الإرهاب والعنف والتشكك العميق لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين عشية وضحاها. ولهذا فإنه من المهم أن يكون هناك في نفس الوقت خطوات محددة يمكنها أن تعيد بناء الثقة: مثلا الإفراج عن المعتقلين ومزيد من تحسين وصول المساعدات الإنسانية؛ فلا زالت العراقيل توضع في أماكن كثيرة أمام الإمدادات الصحية في المقام الأول.

ما هو الإسهام السياسي الذي تتوقعه من الدول العربية؟

الخبرات السابقة أوضحت أنه لن يكون هناك أوجه للتقدم في سوريا ما لم يتواجد جميع الأطراف، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودول الجوار أيضاً، وما لم يمارسوا معا الضغط على أطراف الأزمة. تلعب السعودية في هذا الصدد دورا إيجابيا في لم شمل المعارضة والحفاظ على لحمتها. وهو أمر طيب ومهم. ومن المهم الآن أن يقاوم جميع الأطراف ما يراودهم من رغبة في أن يحققوا من خلال القوة المسلحة مجددا ومن طرف واحد مزايا قصيرة الأجل.

هل نحن بحاجة إلى "خطة مارشال" للشرق الأوسط؟ ماذا يتعين على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أن يقدموه هنا؟

الأمر واضح تماما: لا يصح أن يحدث من جديد بأي حال أن تُقلص حصص المواد الغذائية وأن يتضور الناس جوعا لأن بنهاية العام سينفد المال من منظمات الإغاثة. ومع هذا فإننا يمكننا الآن أن نرصد استيقاظا من جانب المجتمع الدولي. وقد تولت ألمانيا في هذا الصدد دورا رائدا، سواء في مؤتمر المانحين في نيويورك في العام المنصرم أو مؤتمر لندن الذي أتيح فيه ما يزيد على 10 مليار يورو لتوفير الإمدادات للاجئين في المنطقة. ومن هذه المليارات العشرة كان لألمانيا بمبلغ قيمته 2,3 مليار يورو أكبر إسهام مالي تم الموافقة عليه.

لقد تقوى موقف الديكتاتور الأسد في الأسابيع المنصرمة. هل يمكن أن يحدث في سوريا في المستقبل أيضا أي شيء بدونه؟

بعد كل هذا الكره، والقتل والتدمير وبعد مئات الآلاف من القتلى فإن الأسد لا شك ليس الرجل الذي يستطيع مجددا لم شمل سوريا. ورأيي أن الدول التي يستند إليها نظام الأسد تعي أيضا هذا الأمر. يا ترى ما عدد الأسابيع أو الأيام التي قد يتاح فيها للأسد أن يحتفظ بالسلطة دون الدعم الخارجي؟ فإذا ما حدث بالفعل تفاهم بين النظام والمعارضة وحدث اتفاق بين الأطراف الإقليمية والدولية حول المستقبل السياسي للبلاد فإن شخص الأسد لن يكون بمنأى عن الخلخلة.

تقدم أردوغان بمقترح لبناء مدن للاجئين في شمال سوريا للعائدين. ما رأيكم في هذه الفكرة؟ هل هذا محاولة من تركيا لمد منطقة نفوذها خارج الحدود التركية السورية؟

استقبلت تركيا ما يزيد على 2,5 مليون لاجئ سوري وهو أمر يمثل انجازا إنسانيا هائلا. فإذا ما قُدر للهدنة في سوريا أن تتثبت وعلى أقل تقدير أن يتحقق الأمن الضروري في أجزاء من البلاد لكي يمكن البدء بإعادة الإعمار وبعودة اللاجئين فإن هذا الأمر لن يمثل لتركيا فحسب تخفيفا هائلا، بل سيكون هذا ما يتمناه غالبية اللاجئين في أعماق قلوبهم، فلا أحد يرغب في مغادرة بلده طواعية.

بحسب ما تراه المستشارة الألمانية ميركل فإن قمة الاتحاد الأوروبي وتركيا الأخيرة قد حققت النجاح. ألا يمثل هذا الأمر تفاؤلا شديدا بالنظر إلى النتائج الهزيلة المتحققة؟

لقد قال كثير من الشركاء في أوروبا وأخيراً وليس آخراً بعض المناوئين في ألمانيا في الشهور المنصرمة أن الحل الأوروبي هو درب من دروب الخيال ولن يكون ناجزا. غير أن نتائج القمة الأخيرة توضح خلاف ذلك وهو أن الحل الأوروبي قابل للتنفيذ. سنقلص الهجرة غير الشرعية، سنساعد اليونان بدلا من تهميشها وسنخطو إلى الأمام في تطوير منظومة أوروبية للجوء على النحو الذي يطالب به منذ الصيف الماضي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي أنتمي إليه.

يتضح يوما بعد يوم أن بمقدور تركيا أن تملي على الاتحاد الشروط وأن لها اليد الطولى. هل من الذكاء الاستراتيجي أن نكون خاضعين لرغبات أردوغان؟

لو لم أتعاون بوصفي من رجالات السياسة الخارجية إلا مع شركاء لا يوجد معهم أي اختلافات فلربما كان عندي وقتا أكثر لرعاية العلاقات المتميزة مع لوكسمبورغ. غير أن العالم أكثر تعقيدا وأقل جمالا عما نتمناه. والشيء المؤكد مع ذلك أننا لو أردنا التضييق على مسارات الهجرة الخطرة إلى أوروبا فإن التعاون مع تركيا أمر حتمي. وهو ما لا يعني، والشيء بالشيء يذكر، أن نسير بحسب العبارة الشائعة "هيا تقدم، اغمض عينيك ولا تبالي"، فنحن نتحدث بصراحة عن أوجه النقص فيما يتعلق بحرية الصحافة وحقوق الإنسان. إننا ندير دائما وأبدا حوارا ناقدا مع تركيا.

بالذات في هذا الصدد يتصادم سلوك إردوغان مع المعايير الغربية. لماذا ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يمد اليد لمزيد من مفاوضات الانضمام؟

يجب أن نتحدث بصراحة مع تركيا عن مفهومنا لحقوق الحريات كما نفعل هذا أيضا الآن. وفتح فصل جديد للمفاوضات يتيح الفرصة للتواصل المكثف مع تركيا فيما يتعلق بقضايا مثل سيادة القانون والتدوين القضائي.

[...]
أجرى اللقاء أليكساندر ر. فينيش.
ترجمة: ضياء الدين النجار

المحتويات ذات الصلة

إلى أعلى الصفحة