مرحباً بكم في صفحة وزارة الخارجية الألمانية

تاريخ ألمانيا – انطباعات تنأى عن الوهم!

مقال

يظن العرب غالباً أن الألمان يفتخرون بماضيهم العسكري وحروبهم وخصوصا بـ"أدولف هتلر" الذي أشعل الحرب العالمية الثانية وتسبب بقتل ملايين الناس، لكن زيارتي لمتحف "دار التاريخ" بمدينة بون غيرت تصوراتي التقليدية عن هذا التاريخ.

أول ممرات هذا المتحف قادتني إلى مقتنيات ومشاهد حقيقة واضحة تعود إلى الحرب العالمية الثانية وخلصت من آثارها إلى حقيقة رفض الألمان للفخر بتأريخ بلدهم وعلى وجه الخصوص بحقبة ثلاثينات وأربعينيات القرن الماضي أبان حكم هتلر
علم الجيش النازي صادفني عند دخول الممر الأول وكأنه دليل إرشادي لما بعده من لقطات فيديو مروعة لجنود عاشوا مآسي الحرب، صورٌ لقادة و ضباط الجيش النازي، ولاتفاقيات وبرقيات موقعةٌ بخط أحمر، أوسمة تكريمٍ و غطاء الرأس الفرنسي المعروف بـ"البيريّة" رمز القوة الجوية للجيش الألماني الاتحادي بعد الحرب، آثار لأسلحة الجيش النازي وحتى تلك الدبابة التي استوقفتني وأنا أتساءل هل بالفعل هذه الدبابة تعود إلى أيام الحرب العالمية الثانية؟

أول ما شدني في الصالة الأولى، هو بقايا بزات عسكرية لجنود الحرب، وفيما كنت أتمعن بمطالعتها وإذا برجُلٍ كبير السن واقف بجسده وروحه في عالم تلك الحرب، هذا الرجل كان الشخص الأول الذي أجريت لقائي معه وكان سؤالي الأول " هل هذه زيارتك الأولى للمتحف؟".

أجاب بـ" كلا إنها زيارتي الثالثة "سألته ما سبب تعدد زياراتك؟" أجابني: "والدي توفيّ في الحرب العالمية الثانية وعندما أشاهد هذه البزة العسكرية أتذكره في آخر مرةٍ رأيته قبل وفاته". قادتني إجابته إلى حيث أريد، فسألته "هل تفخر بتأريخ ألمانيا؟". أجاب: "كلا! وخصوصاً في فترة حكم هتلر الذي قتل ملايين الناس من مختلف الدول، أنا افتخر بتاريخ ألمانيا ما بعد الأربعينيات".

أثناء حديثه، أصابتني الدهشة وبدأت أتأكد بأن اعتقادي بفخر الألمان بشخصية هتلر كما نعتقد نحن في العالم العربي هو خاطئ تماماً.

الممر الثاني للمتحف يختلف تماماً عن سابقه، وكأنّ الحرب بالفعل قد انتهت حيث تختلف المشاهد والصور التي تشير إلى توجه القادة الجدد نحو "الوحدة" التي تحققت في تسعينيات القرن الماضي وحتى عند سؤالي لعدد من الناس "هل تفخرون بتاريخ ألمانيا؟"، كانت ردة الفعل على عكس ما هي في الممر الأول، فكانت الإجابة، "نحن نفخر بتاريخ بلادنا ما قبل وبعد الحرب العالمية الثانية فقط"، وهو ما يعكس الطابع النفسي لهم عن شعورهم بالارتياح مع مشاهدتهم لصور العلم الألماني بدل النازي والقادة الجدد و بالإضافة إلى اعتزازهم بعملة "المارك" التي كان لعودتها إلى التداول الفضل الأكبر في انتعاش الاقتصاد الألماني، والتي لها جانبٌ خاص من الممر الثاني للمتحف.

وبين ممر وآخر سيّرتني تلك الصور والمشاهد إلى جميع أنحاء المتحف لتنتابني مشاعرُ مختلفة وكأني أطالع إحدى روايات غابرييل غارسيا ماركيز ذات الوصف الأخّاذ، بدءًا من أولى صفحات الحرب ومشاهد الجنود مروراً بعملة المارك، وانتهاءً بآخر فصول الحرب بعد رفع ألمانيا العلم الأبيض معلنة الاستسلام.

(هل تفخر بتاريخ ألمانيا؟) سؤال يثير حفيظة الألمان لصعوبته بالنسبة لهم وقساوته في ذات الوقت، فبعضهم يجيب بملء فمه "كلا" و البعض الآخر يبقى في حيرةٍ من أمره وتتكفل تعابير وجهه بالإجابة بين رفضه للفخر "بجزء" من تاريخ بلاده وبين فخره واعتزازه بأرضه، أما الأخير، بقيت أبحث عنه طوال الوقت وبين ممرات المتحف الغنية بالآثار: هل من شخص يقول "نعم" أنا افتخر بتأريخ ألمانيا؟

هذا التساؤل غيّر المفهوم لدي والذي مفاده أن الشعب الألماني يتفاخر بماضيه العسكري كما هو سائدٌ لدينا في العالم العربي ظل بلا جواب، لكني فوجئت بأنّ الأطفال في المدارس الألمانية يُدَرّسون على مبدأي "التسامح وقَبول الآخر" ونسيان ذلك الجزء المظلم من تأريخ بلدهم، حيث دأب المربون والمعلمون على تعليمهم لغة السلام واحترام البشرية و القوميات وأدركت أن هذا هو سبب استعادة ألمانيا لوجهها المشرق بين دول العالم بعد عهد الفظائع النازية الرهيبة.
حيدر خير الله

المحتويات ذات الصلة

إلى أعلى الصفحة