مرحباً بكم في صفحة وزارة الخارجية الألمانية
تسليح أفغانستان بالعلم
تحاول ألمانيا تحقيق الاستقرار في الدول التي تعاني أزمات: محو أمية الشرطة يرفع درجة الأمان في أفغانستان.
عندما كان يتوجب على فايزولله في الماضي فحص سيارة مشتبه بها كان ذلك شبه مستحيل بالنسبة له، لأن ذلك الشرطي القادم من كابول لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، ولذلك كان يعتمد فقط على طراز السيارة ولونها. ويحكي الشرطي البالغ من العمر 38 سنة قصة مر بها قائلا: "ذات مرة كان عليه إلقاء القبض على سائق سيارة صفراء لأن سيارته تحمل أرقاما مزورة." عندما اقتربت السيارة طلب رؤية رخصة القيادة. "بدلاً منها أخرج لي السائق إيصال الكهرباء، كما علمت بعد ذلك"، ولم يكن أمامه إلا أن يتظاهر بأنه يقرأ "الرخصة" ثم ترك الرجل الذي كانوا يبحثون عنه يرحل ببساطة. "لم أكن أُحسن أفضل من ذلك."
الهدف: تعزيز المؤسسات الحكومية
ولكن الوضع تغير اليوم، حيث شارك فايزولله في إحدى دورات محو الأمية التي تقدمها ألمانيا للشرطة الأفغانية بهدف تحقيق الاستقرار في أفغانستان. تم حتى الآن تمويل المشروع بمبلغ 27 مليون يورو من مخصصات القسم "إس" بوزارة الخارجية الألمانية، وهو القسم المسئول عن الوقاية من الأزمات وتحقيق الاستقرار والرعاية بعد نشوب النزاعات والمساعدات الإنسانية. ويعد المشروع واحداً من 63 مشروعاً من حزمة تحقيق الاستقرار في أفغانستان، التي تدعم ألمانيا من خلالها الحكومة في كابول. ويقوم تحقيق الاستقرار بالدرجة الأولى على مشاريع قصيرة ومتوسطة المدى، إذ يجب أن تكون أوجه التقدم ملموسة وتؤدي إلى تحقيق هدف تعزيز الشركاء السياسيين والحكومة الأفغانية ومؤسسات الدولة.
ويقول السيد/ توماس تسان أيزن، القائم السابق بالأعمال في سفارة ألمانيا في كابول والذي عمل لسنوات طويلة مديراً لقسم تحقيق الاستقرار: "لقد تطورت أفغانستان بصورة لا يمكن الرجوع عنها، فقد اصبحت دولة تختلف تماماً عما كانت عليه بعد تحريرها من حكم طالبان." وتتمثل العوامل المهددة للاستقرار حالياً في الوضع الأمني وقضية اللاجئين، إذ يوجد نصف مليون من الأفغان مشردين داخل البلاد، فضلا عن 600 ألف أفغاني اضطروا في عام 2016 وحده إلى الرجوع من باكستان. وللعمل على حل تلك المشكلات قدمت ألمانيا في الأعوام الثلاثة الماضية حوالي 11 مليون يورو من مخصصات وزارة الخارجية الألمانية مساعدات للاجئين والمشردين الداخليين والعائدين. ويقدم القسم "إس" في مجال الأمن وبناء جهاز الشرطة 91 مليون يورو وهو ما يعادل نصف إجمالي ما يقدمه لأفغانستان، انطلاقا من أن نقص الأمن من أهم مسببات الهروب.
أكد تسان أيزن على أن الأفغان فخورون بلا شك بشرطتهم. غير أنهم يتمنون حدوث تحسينات واضحة، لأن الشرطة مرآة للمجتمع: الغالبية العظمى، نحو 70 % لا تجيد القراءة والكتابة أو بالكاد تجيدها. يقول فايزولله: "بالنسبة لي لم يكن في المستطاع أن أتعلم القراءة والكتابة في البداية بسبب الحرب، وفيما بعد لم يكن لدي الوقت لأنني اضطررت لبيع المياه في المدينة لإطعام عائلتي". عشرة أشخاص يعتمدون على ما كنت أجلبه للمنزل.
حصل فايزولله في هذه الأثناء على شهادة تعليمية توازي السنة الثالثة الابتدائية، وهو يستطيع الآن القيام بكل ما لم يكن يتصوره من قبل: مثل فحص أوراق السيارات والألواح المعدنية، ووضع الحواجز أمام نقاط التفتيش في الأماكن المحددة أو العثور على العناوين دون مساعدة. لم يعد يضطر أن يطلب من تلميذ، مثل العديد من الزملاء الآخرين، قراءة اسم في أمر بالقبض على أحد الأشخاص. هو الآن قادر على قراءة خطة العمل بنفسه، وتحرير المخالفات المرورية وكتابة محاضر الاستجواب.
"عندما يكون رجال الشرطة غير مؤهلين، يتأثر شعور الناس بالأمن سلباً"، بحسب جيورج فريتسنفينجر، رئيس مشروع محو أمية رجال الشرطة لدى الهيئة الألمانية للتعاون الدولي في كابول. وتقوم الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بتنفيذ البرنامج بتكليف من وزارة الخارجية الألمانية. هناك معركة ضد المتطرفين مثل طالبان. يتحمل الجيش في أفغانستان المسؤولية الرئيسة عن ذلك، ولكن خارج المراكز الحضرية تمثل الشرطة كيان الدولة. ويقول فريتسنفينجر: "في المناطق التي يسيطر عليها وضع أمني متوتر يتم على وجه السرعة استخدام ضباط الشرطة في مهام أمنية أخرى، أما إذا تعرضوا لهجوم فإنهم ليس لديهم في كثير من الأحيان خيار سوى الدفاع عن أنفسهم.
جاذبية العمل في الشرطة آخذة في الزيادة
الأمر الذي يمثل أهمية كبيرة من أجل تحسين الحالة الأمنية، هو العمل على التزام حتى رجال الشرطة البسطاء بعملهم في الشرطة ولا ينتقلون منها عندما تتاح لهم الفرصة إلى وظائف أخرى أو وظائف أقل خطورة أو أفضل من حيث الأجر. يقول فريتسنفينجر: "إن دورات محو الأمية تجعل العمل في الشرطة أكثر جاذبية، لأنها تعمل على تنمية الأفراد، وبالتالي تفتح فرصاً للتقدم الوظيفي."
يتعلم المشاركون في دورة محو الأمية القراءة والكتابة لمدة ساعتين في اليوم أثناء خدمتهم. ويمارسون بقية اليوم مهام عملهم العادية. حيثما يكون هناك خمسة رجال شرطة في أفغانستان راغبين في حضور دورة لمحو الأمية، يبدأ الدور الفعال الذي يقم به فريق الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، حيث يرسل المواد التعليمية، والجداول، والمقاعد، وسبورة ويقوم بتدريب مدير مناسب للدورة التعليمية.
يعالج المشروع إلى جانب المضمون التعليمي العادي الخاص بمحو أمية الكبار عناصر أخرى متخصصة للشرطة. يقول مدير المشروع: " تتضمن المادة التعليمية موضوعات لا يتوفر لها إلا وقت ضئيل أثناء التدريب النظامي لرجال الشرطة، وهي القضايا التي تهم رجل الشرطة في واقع الأمر، مثل تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، والمساواة في الحقوق، والبيئة والصحة"
وقد اجتاز بالفعل 80 ألف ضباط الشرطة دروس محو الأمية التي تقدمها الوكالة الألمانية للتعاون الدولي. المشاركون في الدورة الحالية 32 ألف رجل شرطة، فالتقدم ملموس للغاية. يحكي عبد اللطيف، رجل شرطة في قرية صغيرة في شمال أفغانستان تسمى بغلان يبلغ من العمر 28 عاماً، قائلاً: "تمكنت، لأنني أصبحت الآن أستطيع القراءة، من كشف لوحات مزورة في أثناء حملة تفتيش أخيرة عن السيارات المخالفة. كان حلمي دائماً أن أكون رجل شرطة. ولكن الآن أصبحت أخيراً أستطيع القيام بمهامي على نحو أفضل بكثير. فقط رجال الشرطة الذين يستطيعون القراءة والكتابة بوسعهم تطبيق القوانين. وهذا هو السبيل الوحيد لتمهيد الطريق لأفغانستان يعمها السلام."
مصدر النص: وزارة الخارجية الألمانية
الترجمة والإعداد والتحرير: المركز الألماني للإعلام